صوت فرنسا – شهد المشهد القانوني في فرنسا تطوراً مهماً، عندما أصدر المجلس الدستوري الفرنسي قراره بإبطال مادة مثيرة للجدل من قانون الهجرة الفرنسي الجديد، المعروف باسم “قانون دارمانان”. هذا القرار، الذي نُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 24 مايو وصدر بيانه الحقوقي المفصل في 27 من الشهر ذاته، يمثل نقطة تحول بارزة في النقاش الدائر حول حقوق وحريات المهاجرين واللاجئين في فرنسا.
يُعرف “قانون دارمانان” رسمياً بـ “قانون التحكم في الهجرة، وتحسين الاندماج”، ويهدف إلى تشديد إجراءات وسياسات الهجرة وتسريع عمليات الترحيل، مع تسهيل تسوية أوضاع العاملين الأجانب في المهن التي تعاني من نقص في اليد العاملة. أُقر هذا القانون في 20 ديسمبر 2023، وسمي على اسم وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، وقد أثار منذ البداية انتقادات واسعة من قبل منظمات حقوقية وأطراف سياسية داخل فرنسا.
المادة الملغاة: احتجاز طالبي اللجوء دون طرد رسمي
المادة التي أبطلها المجلس الدستوري كانت تسمح للسلطات الفرنسية باحتجاز طالبي اللجوء دون الحاجة إلى قرار طرد رسمي. كان هذا الإجراء يعتمد على مبررات فضفاضة وغير دقيقة مثل “تهديد الأمن العام” أو “خطر الفرار”. هذا الجانب من القانون أثار قلقاً كبيراً بين المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين رأوا فيه انتهاكاً للحريات الفردية.
قرار المجلس الدستوري: انتصار للحرية الفردية
أوضح المجلس الدستوري في قراره أن المادة المعنية تنتهك الحرية الفردية التي يكفلها الدستور الفرنسي. وأشار المجلس إلى أن التبريرات المستخدمة لاحتجاز طالبي اللجوء، مثل عدم تقديم طلب لجوء خلال 90 يوماً، لا تبرر قانونياً سلب حرية الأشخاص. هذه النقطة كانت حاسمة، حيث أكد المجلس على ضرورة وجود أساس قانوني واضح ومحدد لاحتجاز الأفراد، خاصة عندما يتعلق الأمر بالحرية الشخصية.
الرسالة الأهم التي وجهها إبطال هذه المادة هي التأكيد على أنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال احتجاز طالبي اللجوء دون أساس قانوني واضح”. وقد اعتبرت الجمعيات الحقوقية التي طعنت في المادة أن هذا القرار يمثل “انتصاراً للحريات وصفعة للحكومة الفرنسية”. ورفضت هذه الجمعيات استخدام “مصطلحات مبهمة لتبرير ما وصفوه بـ ‘الإجراءات القمعية'”.
السياق الأوسع لقانون “دارمانان”
يهدف قانون “دارمانان” بشكل عام إلى تسهيل إجراءات طرد الأجانب الجانحين الموجودين بشكل قانوني في فرنسا والمدانين بارتكاب جرائم يعاقب عليها بالسجن لمدة لا تقل عن ثلاث أو خمس سنوات. كما يسهل هذا القانون إصدار المزيد من أوامر مغادرة الأراضي الفرنسية، وحتى بحق القصر الذين لا يتجاوز عمرهم 13 عاماً، وهو ما أثار جدلاً واسعاً أيضاً.
كان القانون في صيغته الأولية أكثر تشدداً، حيث تضمنت مسودته بنوداً مثيرة للجدل تتعلق بـ “حصص الهجرة” وتضييق الخناق على لم شمل الأسر، وبعض الإجراءات المتعلقة بالاستحقاقات الاجتماعية للمهاجرين. ومع ذلك، قام المجلس الدستوري بإبطال العديد من هذه البنود الأخرى، بما في ذلك بند “حصص الهجرة” وبند يتعلق بتقييد الوصول إلى الاستحقاقات الاجتماعية [المصدر: Le Monde – تم الإبطال بالفعل لأكثر من ثلث بنود القانون، مما يغير من طبيعته بشكل كبير]. هذا يشير إلى أن المجلس الدستوري يلعب دوراً هاماً في ضمان توافق التشريعات مع المبادئ الدستورية الفرنسية، وخاصة تلك المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية.
على الرغم من أن القانون يهدف أيضاً إلى تسوية أوضاع العاملين الأجانب في القطاعات التي تعاني من نقص في اليد العاملة، فإن الجوانب التشديدية هي التي استحوذت على معظم النقاش العام والانتقادات. وقد رأى البعض في هذا القانون محاولة من الحكومة الفرنسية لتقديم مقاربة أكثر صرامة للهجرة، في سياق يرتفع فيه النقاش حول الهجرة على الصعيد الوطني والأوروبي.
تداعيات القرار وتأثيره المستقبلي
إن إسقاط هذه المادة يعتبر نقطة تحول مهمة في معركة الدفاع عن الحقوق والحريات الأساسية في فرنسا. فهو يبعث برسالة واضحة مفادها أن السلطات لا يمكنها المساس بالحرية الفردية دون مبرر قانوني قوي وواضح، وأن الدستور الفرنسي يقف حامياً لهذه الحريات. هذا القرار قد يؤثر على كيفية صياغة القوانين المستقبلية المتعلقة بالهجرة واللجوء في فرنسا، ويجعل السلطات أكثر حذراً في تضمين بنود قد تُعتبر انتهاكاً للحريات الأساسية.
على المدى القصير، سيتعين على السلطات الفرنسية تعديل ممارساتها فيما يتعلق باحتجاز طالبي اللجوء للامتثال لقرار المجلس الدستوري. على المدى الطويل، قد يعزز هذا القرار دور المجلس الدستوري كحارس للحريات في مواجهة التشريعات التي قد تبدو قمعية. كما أنه قد يشجع الجمعيات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدني على الاستمرار في الطعن في القوانين التي يرون أنها تنتهك حقوق الإنسان.
في الختام، يظهر قرار المجلس الدستوري الفرنسي الأخير بشأن قانون الهجرة “دارمانان” التوازن الدقيق بين سيادة الدولة في تنظيم الهجرة وحماية الحقوق والحريات الأساسية للأفراد. إنه تذكير بأن حتى في مواجهة التحديات الأمنية والاجتماعية، تظل المبادئ الدستورية حجر الزاوية الذي يحمي حقوق الجميع في فرنسا….المزيد
.
كاتبة المقال
حنان السعيد
صحفية ومترجمة
مؤسسة صوت فرنسا الاعلامية
للتواصل hnan@francealyom.com
.
صدمة فرنسية: “الديوك” تودع حلم أمم أوروبا (فيديو ملخص وأهداف)
جريمة قتل هشام الميراوي في فرنسا – تفاصيل خطيرة
أخبار فرنسا: أفراح وتحديات،وصفعة ماكرون وحوادث مثيرة للدهشة
أفضل الدول للهجرة وأسهل الدول للجوء
تعلم الفرنسية – أهم 100 جملة للتسوق
.
قانون الهجرة الفرنسي, قانون دارمانان, المجلس الدستوري الفرنسي, صوت فرنسا, حقوق اللاجئين, احتجاز طالبي اللجوء,”قانون التحكم في الهجرة، وتحسين الاندماج, الأمن العام, خطر الفرار, ترحيل المهاجرين, تسوية الأوضاع, نقص اليد العاملة, منظمات حقوقية, انتهاك الدستور, حرية التنقل, ضمانات قانونية, اللجوء في فرنسا, French Immigration Law, Darmanin Law, Constitutional Council.
للحضول على استشارة مجانية إرسل ايميل بالتفاصيل إلى info@higrh.com